كسر ظهور مجموعة من "الدلافين" البحرية الاليفة قبالة الشاطئ الصيداوي الشمالي الاعتقاد السائد لدى اللبنانيين وخبراء البيئة بعدم وجودها في المياه اللبنانية، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام التكهّنات والتحليلات والتفسيرات في محاولةٍ لاستكشاف المصدر الذي أتت منه.
وقد تمكّن أحد مؤسسي المركز اللبناني للغوص، معروف أسامة سعد، من توثيق اقتراب عدد من الدلافين من شاطىء مدينة صيدا قبالة الملعب البلدي عند مدخل صيدا الشمالي، حيث قام بتصوير بعضها والتي تسمى Bottlenose dolphins أي "الدلافين المخططة"، حيث يعيش هذا النوع ويتنقل عادة ضمن مجموعات كبيرة في البحر الأبيض المتوسط. وتنتقل عائلة الدلافين هذه من الرميلة مرورا بصيدا وصولا الى الزهراني ولكن هذه المرة اقتربت من الشاطئ حيث قامت ببعض الحركات البهلوانية قبل ان تغادر.
مفاجأة سارة
ويؤكد نقيب الغواصين المحترفين في لبنان محمد السارجي، في حديث لـ"النشرة"، ان ظهور "الدلافين المخططة" على مقربة من الشاطئ الصيداوي شكل "مفاجأة سارة"، موضحًا أنّ "ظهورها دليل تعافي البحر من ملوثاته السابقة وعلى مدى عقود طويلة، وتأكيد على نظافة مياه البحر بعد وقف انهيار النفايات فيه اثر ازالة مكب صيدا وانشاء المعمل الحديث لمعالجتها، وصولا الى مشكلة مجاري الصرف الصحي على طول الشاطىء، والاهم طرق الصيد لجهة منع "الديناميت"، و"المتفجرات" وحتى "السموم"، حيث نجحت القوى الامنية منذ سنوات بوقف هذه الآفة نهائيا والتي تسبّبت في هروب "الدلافين" في حال وصلت الى المياه سابقا، وهي الان وجدت الملاذ الامن والامان والنظافة، فبقيت في المياه وعلى العكس اقتربت من الشاطىء في ظاهرة صحية مميزة".
ويلفت السارجي إلى ان تشجيع بقائها وحمايتها يتطلب المزيد من الخطوات العملية لجهة الحرص على نظافة المياه، وعدم السماح برمي الديناميت مجددا، والاهم حسب رأيه معالجة ظاهرة "الجيت سكي" التي انتشرت هذا الصيف بشكل لافت، اذ ان كثرتها وضجيج اصواتها قد تؤدي الى هروب هذه الدلافين مجددا دون ان نقصد او تمنعها على الاقل من الاقتراب من الشاطىء كما حصل، علما انها أليفة ولا تؤذي الصياد ولا تمزق شباكه عمدا، وهي مفيدة للبيئة البحرية وتتغذى على الاسماك وتغني مياهنا بهذا التنوع في الثروة الحيوانية والبيولوجية، والدلفين هو صديق الاطفال وهو من اهم وسائل التسلية والسياحة في الدول الاوروبية لأنه حيوان ودود، يرتفع فوق المياه ليتنفس ويلعب وان كان يصنف بانه غير اليف علميا.
رحلة استكشاف
الصيداويون من جهتهم عبّروا عن فرحهم بظهور "الدلافين" قبالة المدينة، واعتبروه غنى لها وتأكيداً على النظافة بعد عقود من التلوّث البحري بسبب مكب النفايات، مشيرين الى ان خبراء في المركز الوطني لعلوم البحار اكدوا وجود دلافين في المياه اللبنانية بعد رحلة استكشاف في الباخرة العلمية "قانا" ما بين أيلول 2009 وحتى آب 2012، ولكنّها المرّة الأولى التي تظهر فيها بهذا الشكل قبالة الشاطئ، رغم أنّ مهمات البحث الموثقة أنجزت سابقاً، وتبيّن بموجبها أنّ هذه الدلافين موجودة في المنطقة الساحلية الوسطية على امتداد 120 كلم من شمال صيدا حتى جنوب منطقة الميناء في طرابلس من اصل 220 كلم.
ويروي خبراء في المركز الوطني لعلوم البحار، انه "في 9 طلعات بحرية شاهدنا الدلافين 32 مرة، اما مجموع ما شاهدناه هو كناية عن 91 حيوانا، وفي كل مشاهدة كان يظهر لنا بين واحد وسبعة، ثلثهم من الحديثي العمر والثلثين من البالغين ويتراوح طولهم بين المتر ونصف المتر والثلاثة امتار ونصف المتر، وكل الدلافين التي شاهدناها هي من نوع الـBottlenose dolphins واسمها Tursiops truncates".
مفاجأة سارة إذاً شكّلها ظهور الدلافين قبالة شاطئ مدينة صيدا لأهل صيدا واللبنانيين عموماً، على أمل أن تزداد المفاجآت السارة خصوصًا على الصعيد البيئي، لتغطّي على الخيبات المتلاحقة، والتي لا يوحي شيء بأنّها ستتبدّد في المدى المنظور...